الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وإذا أراد الانتقال بنسائه إلى بلد آخر فأمكنه استصحابهن كلهن في سفره فعل, ولم يكن له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن فإن خص إحداهن, قضى للباقيات كالحاضر فإن لم يمكنه صحبة جميعهن أو شق عليه ذلك, وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضي لأحد, ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن وإن أراد إفراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه, قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيما وانقطع حكم السفر عنه. إذا كانت له امرأة فتزوج أخرى, وأراد السفر بهما جميعا قسم للجديدة سبعا إن كانت بكرا وثلاثا إن كانت ثيبا, ثم يقسم بعد ذلك بينها وبين القديمة وإن أراد السفر بإحداهما أقرع بينهما فإن خرجت قرعة الجديدة, سافر بها معه ودخل حق العقد في قسم السفر لأنه نوع قسم وإن وقعت القرعة للأخرى سافر بها, فإذا حضر قضى للجديدة حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه وإن تزوج اثنتين وعزم على السفر, أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد في قسم السفر, فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره, لم يؤده إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه والثاني, لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الإيواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر, فيكون ميلا فيتعذر قضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضى مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضى للحاضرة مثله, وجها واحدا وفيما زاد الوجهان ويحتمل في المسألة الأولى وجها ثالثا وهو أن يستأنف قضاء حق العقد لكل واحدة منهما, ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب إلى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط. قال: [وإذا أعرس عند بكر أقام عندها سبعا, ثم دار ولا يحتسب عليها بما أقام عندها وإن كانت ثيبا, أقام عندها ثلاثا ثم دار ولا يحتسب عليها أيضا بما أقام عندها] متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور, وأقام عندها سبعا إن كانت بكرا ولا يقضيها للباقيات وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا, ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعا فإنه يقيمها عندها, ويقضي الجميع للباقيات روي ذلك عن أنس وبه قال الشعبي والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وروى عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى ابن عمر: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي: لا فضل للجديدة في القسم, فإن أقام عندها شيئا قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعا ولنا, ما روى أبو قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب, أقام عندها سبعا وقسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا, ثم قسم قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: أن أنسا رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- متفق عليه وعن أم سلمة (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا وقال: ليس بك على أهلك هوان, إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي) رواه مسلم وفي لفظ: (وإن شئت ثلثت ثم درت) وفي لفظ: (وإن شئت زدتك ثم حاسبتك به, للبكر سبع وللثيب ثلاث) وفي لفظ رواه الدارقطني: (إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك, ثم سبعت لنسائي) وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه قال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه وليس مع من خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه: أحدهما: كقولنا والثاني: الأمة على النصب من الحرة, كسائر القسم والثالث: للبكر من الإماء أربع وللثيب ليلتان تكميلا لبعض الليلة ولنا عموم قوله عليه السلام: (للبكر سبع, وللثيب ثلاث) ولأنه يراد للأنس وإزالة الاحتشام والأمة والحرة سواء في الحاجة إليه فاستويا فيه, كالنفقة. يكره أن يزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة حق عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن يوفيهما حقهما وتستضر التي لا يوفيها حقها وتستوحش فإن فعل, فأدخلت إحداهما قبل الأخرى بدأ بها فوفاها حقها, ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم وإن زفت الثانية في أثناء مدة حق العقد أتمه للأولى, ثم قضى حق الثانية وإن أدخلتا عليه جميعا في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما, ثم وفي الأخرى بعدها. وإذا كانت عنده امرأتان فبات عند إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية, قدم المزفوفة بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله, فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها ليلتها, ثم يبيت عند الجديدة ثم يبتدئ القسم وذكر القاضي أنه إذا وفي الثانية ليلتها بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها للثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الأخرى, فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بإزاء ما حصل لكل واحدة من ضرتيها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكانا ينفرد فيه, أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجيء منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء بحقها بدون هذا الحرج, فيكون أولى إن شاء الله. وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم في أن عماده الليل, وله الخروج نهارا لمعاشه وقضاء حقوق الناس وإن تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس, أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج لصلاة الجماعة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يترك الجماعة لذلك, ويخرج لما لا بد له منه فإن أطال قضاه وإن كان يسيرا فلا قضاء عليه. قال: [وإذا ظهر منها ما يخاف معه نشوزها وعظها فإن أظهرت نشوزا هجرها, فإن أردعها وإلا فله أن يضربها ضربا لا يكون مبرحا) معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز, وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض الله عليها من طاعته فمتى ظهرت منها أمارات النشوز, مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها, فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية, وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله تعالى {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} فإن أظهرت النشوز, وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه, فله أن يهجرها في المضجع لقول الله تعالى: وله تأديبها على ترك فرائض الله وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه, قال: على ترك فرائض الله وقال في الرجل له امرأة لا تصلي: يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها لرغبة عنها, إما لمرض بها أو كبر أو دمامة, فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك لقول الله تعالى فإن غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث حكمين جاز للحكمين إمضاء رأيهما إن قلنا: إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة وإن قلنا: إنهما حاكمان لم يجز لهما إمضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه, والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم التوكيل, لا بالحكم وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته وإن جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل وإن كان حاكما لم يجز له الحكم لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق, وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون. فإن شرط الحكمان شرطا أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشترطا ترك بعض النفقة والقسم, لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضا الموكلين فبرضا الوكلين أولى وإن أبرأ وكيل المرأة من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له, أو من الرجل لم تبرأ الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق.
|